قصة قصيرة
ذات شتاء
على ضفاف قلبها الحزين، أطل اليوم بكامل ثقله، عابسا مملا، غير أنها اعتادت على ذلك، في خيمتها المجمدة النائية على حدود العراق، مئات الآهات تخرج كل يوم ممزوجة بأنفاسها المرة، فلا نوم فيها ولاراحة، حتى لقمتها التي لم تكفيها للعيش، كانت مغمسة بالدموع الحارة، هذا صباح سلمى الحزينة في هذا المخيم المتجمد، لا شيء يشعر بانقضاء الوقت، غير تعاقب الليل والنهار، تخرج من خيمتها، تحمل فأسها لتحتطب، حتى تتدفأ، وفي المساء، تعانق دفترها المهترىء، لتخط فيه ذكرياتها الجميلة، في حلب حيث جنتها الخضراء، بيت دافىء، أسرة سعيدة، حلم جديد يتكور في أحشائها، ويطرق جسدها البض، الناعم، سحر الجمال والأرض الخضراء، كل ما حولها جميل ويشعر بالأمل والسعادة، عادت وعادت، تذكرت طلابها في الصف الأول، وكيف كانت تنشد معهم نشيط الوطن، ترنيمة العاشق التي كانت تصدح كل يوم في جميع أرجاء الوطن، زوج يعانقها كل صباح وأطفال يلتفون حولها ويتغذون معها من حقل العلوم، سمر وسعاد وطارق، طلاب نجباء، يعشقون الحياة ويحبون العلم، تذهب للمدرسة كعادتها، يصطفون بانتظام في طابور منسق جميل، في الساحة يمرحون، لا شيء يشير إلى أن الغراب قادم، وأنه سيظل ينعق في باحة المدرسة، وهو واقف على علمها الذي يرفرف كل يوم، في لحظات طار كل شيء، الأطفال والمدرسة، وكل أحلامهم الجميلة، طارت معهم، قنبلة أنهت حياة العصافير، وأوقفت ضحكات المقبلين، لا صوت لا سعادة لا مرح يتجول ولا فرح، أشباح تمر هنا وهناك، تقصف وتعصف بالأرواح، دمار في كل مكان، توحد الإنسان مع الشيطان، حملت سلمى على كتف الزمان، رقدت في سبات عميق، رحلت من جنتها المعتادة، إلى خيمتها المجمدة، تقبع في إحدى زواياها حزينة متكورة، مثل كرة ثلج، لا حرارة ولا شعور، فقط رفات متجمد يبكي على موت الإنسانية، وانتصار الجلاد.
أم أيمن/ فلسطين
تعليقات
إرسال تعليق